نظرية الوكالة الظاهرة: الشروط و الآثار المترتبة عليها

القاعدة والأصل العام في الوكالة أن الوكيل إذا تصرف تصرفاً قانونياً ما مع الغير، دون وكالة أو نيابة من الأصيل فلا تنصرف أثار هذا التصرف الذي أبرمه مع الغير إلى الموكل حتى ولو كان الغير حسن النية أي يعتقد أن الوكيل يعمل في حدود وكالته وهذا ما نصت عليه القوانين المختلفة في أنحاء العالم سواء في قطر أو غيرها من الدول.

وقد نظم الأصل العام في الوكالة نصوص القانون المدني القطري وذلك بما ورد بنص المادة 716 التي تنص على أن:”الوكالة عقد يلتزم الوكيل بمقتضاه بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل”

وقد قضت محكمة النقض تطبيقاً للأصل العام بعدم إنصراف آثار التصرف الذي يبرمه الوكيل مع الغير خارج حدود وكالته إلى الموكل بأن:” إن المقرر – طبقاً للمادتين 699، 703/1 من القانون المدني – أن الوكالة هي عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل وأن الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة فليس له أن يجاوزها، فإذا جاوزها فإن العمل الذي يقوم به لا ينفذ في حق الموكل”

  • (نقض مدني ــ الطعن رقم 7790 لسنة 74 قضائية جلسة 4/4/2006)
  • (نقض مدني ــ الطعن رقم 14058 لسنة 82 قضائية جلسة 21/1/2016)

وبالرغم مما تقدم، و خروجاً على هذه القاعدة واستثناءً من هذا الأصل لأمورٍ كثيرةٍ منها: اعتبارات العدالة والضرورات العملية واستقرار المعاملات، فقد روج القضاء والفقه باجتهادهما لنظرية الوكالة الظاهرة هذه، فما المقصود بالوكالة الظاهرة، وما هي شروطها والآثار المترتبة عليها؟ تساؤلات نجيب عليها في مقالنا التالي :-

أولاً/ مفهوم الوكالة الظاهرة:- يقصد بالوكالة الظاهرة وجود مظهر خارجي خاطئ صادر عن الأصيل (الموكل) يدفع الغير حسن النية إلى أن ينخدع ويبرم التصرف مع الوكيل الذي يتعامل خارج حدود وكالته ظناً من الغير حسن النية أنه ينوب عن الأصيل، ففي هذه الحالة وخروجاً عن الأصل العام -الذي يقرر عدم انصراف أثر تصرف الوكيل دون وكالة أو تجاوز حدود وكالته إلى الموكل- فينصرف أثر التصرف الذي أبرمه الوكيل الظاهر الذي تجاوز حدود وكالته إلى الأصيل على أساس الوكالة الظاهرة.

ومثال للمظهر الخارجي الخاطئ الذي قد يصدر عن الأصيل أن يرسل أحد التجار مثلاُ أحد تابعيه لتحصيل دين له أو شراء بضاعة له بثمن آجل من غيره من التجار مرة تلو أخرى ثم في أحد المرات يذهب هذا التابع دون تفويض من رئيسه لأخذ بعض الديون من التاجر الأخر أو شراء تلك البضاعة بالثمن الآجل لحساب نفسه هو دون أن يعلم ذلك متبوعه فيعطه المال ظناً منه أن متبوعه قد أرسله فينصرف أثر التصرف هنا في حق الأصيل وهو التاجر الذي أرسله.

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن:” الأصل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة: أن التصرفات التي يبرمها الوكيل خارج نطاق وكالته لا تنفذ في حق الموكل ما لم يجزها هذا الأخير، وخروجاً على هذا الأصل يعتبر الوكيل الظاهر نائباً عن الموكل فينفذ في حقه التصرف الذي يبرمه متى ثبت قيام مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل، وأن الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي دون أن يرتكب خطأ أو تقصيراً في استطلاع الحقيقة”

  • (نقض مدني ــ الطعن رقم 1171 لسنة 51 قضائية جلسة 27/12/1984)
  • (نقض مدني ــ الطعن رقم 630 لسنة 39 قضائية جلسة 22/11/1975)

ويجدر الإشارة هنا أن نظرية الوكالة الظاهرة إستثناء عن الأصل العام المذكور آنفاً، والاستثناء لا يتوسع في تفسيره، و لا يقاس عليه كشأن كل استثناء.

ويرجع الأساس القانوني للوكالة الظاهرة فقا الى المظهر وقيام الوكالة من الناحية الواقعية رغم مخالفة ذلك للحقيقة، وعليه تترتب ذات الآثار القانونية للوكالة الحقيقية، وذلك لأن الغير حسن النية، وأن المظهر الخارجي الخاطئ للأصيل (الموكل) والذي أحدثه بذاته سواء بقصد أو بدون ذلك، عليه أن يتحمل تبعته.حيث أن القانون قد رتب حماية للغير الذي ينخدع بتلك المظاهر الخارجية التي بعثت على الإعتقاد بوجود نيابة حقيقية بين الوكيل الظاهر والموكل.

ثانياً/ شروط الوكالة الظاهرة:-

1- أن يكون الغير الذي تعامل مع الوكيل – خارج حدود وكالته- حسن النية، ويقع عليه عبء إثبات حسن نيته لا على الأصيل.

2-أن يصدر عن الأصيل مظهر خارجي خاطئ ويُنسب إليه من شأنه أن يجعل الغير حسن النية معذوراً في ظنه أنه حين تعاقد مع الوكيل كان ينوب عن الأصيل وأن وكالته كانت قائمة ولم يتجاوز حدودها.
فينبغي توافر هذين الشرطين مجتمعين لإعمال حكم الوكالة الظاهرة، فتوافر أحدهما بمفرده دون الآخر لا يكون مسوغاً لإعمال فكرة الوكالة الظاهرة.

ثالثاً/ الآثار المترتبة على الوكالة الظاهرة:-

وحيث أن الأصل وفقا للقواعد العامة أن الموكل لا يكون مسئولا عن الخطأ الذي إرتكبه وكيله تجاه الغير إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ومع ذلك فإن نظرية الوكالة الظاهرة تفرض مسئولية الموكل نحو الغير عن الأخطاء التي يرتكبها وكيله الظاهر، وذلك في نطاق المسئولية التقصيرية وكذا وفقا لقواعد الوكالة.

حيث أن مسئولية الأصيل عن خطئه المتسبب به – بسبب المظهر الخارجي الخاطئ الصادر عنه- بتعويض الغير حسن النية ويتمثل ذلك التعويض في انصراف أثر التعاقد الذي أبرمه الغير مع الوكيل الظاهر ونفاذه في حق الموكل-الأصيل- وإن لم تكن هناك وكالة حقيقية أو تجاوز الموكل حدود وكالته.

وتطبق أحكام المسئولية التقصيرية على خطأ الموكل – إذا ما ترتب على تصرف الوكيل الظاهر أضرار بالغير – إذا كان خطئه ترتب عليه خطأ الوكيل، كان يكون خطأ الأخير ناتج عن تعليمات من الموكل، فيكون حينئذ الأخير مسئول مسئولية تقصيرية تجاه الغير عن خطأ شخصي حتى لو من أحدثه مباشرة هو الوكيل الظاهر.

وتطبق قواعد الوكالة بشأن مسئولية الموكل ذاته – إذا ما ترتب على تصرف الوكيل الظاهر أضرار بالغير – في حالة إذا ما أرتكب الوكيل الظاهر تدليس أو غش لتعاقد الغير معه، فهنا العقد بين الوكيل الظاهر والغير يكون قابل للإبطال، ويكون للأخير أيضا أن يرجع بالتعويض ليس على الوكيل الظاهر فحسب بل على الموكل وفقا لقواعد الوكالة.

وخلاصة الأمر فإن مسئولية الموكل تجد أساسها في أنه وضع نفسه في ظروف من خلالها بعث في نفوس الغير على الإعتقاد بوجود نيابة حقيقية بينه وبين الوكيل الظاهر سواء عن قصد أو بدون تعمد، فيكون حماية للغير حسن النية أن يقتضي تعويضا إذا ما أصيب بأضرار ليس من الوكيل الظاهر فحسب بل من الموكل ذاته.

ومن جماع ما تقدم يتضح مفهوم الوكالة الظاهرة وشروطها والآثار المترتبة عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top